المشاكل ملح الحياة …
الحياة الزوجية شراكة أسسها اثنان وجدا في نفسيهما القدرة التامة على التعايش و التفاهم معاً و أجمعا على ضرورة تكوين أسرة قوامها الحب و التضحية و التفاني ، و إن حدث يوماً و اختلف الشريكان فهما يُفكران جلياً و يتأنيان ملياً قبل أن يتخذ أحدهما أو كلاهما موقفاً من الطرف الآخر فهناك المصالح المشتركة و عاملا التعود و الاستمرارية و هذه كلها من شأنها فعلاً أن تجعل الاثنين يُبقيان على هذه الشركة لتستمر الحياة و تسير قاطرة الأسرة و قافلة الأبناء على السواء ، و لا وجود لأي بيت من دون خلاف و لا تواجد لأي علاقة بدون مشاحنات و قد يبدو للبعض في لحظة غضب بأن الحياة لن تستمر ثانية بين الزوجين بشكل قاطع و لكن بقليل من رجاحة العقل و كثير من مشاعر الحنان يمكن أن تُنسج خيوط الحياة المستمرة مرة ثانية ، و كما تثور العواصف و الزوابع فقد تشتعل الخلافات لأسباب واهية لا يتصور أحد أنها تسبب خلافاً و لا يمكن بتاتاً لأي إنسان التحديد الدقيق لقائمة مُسببات الخلافات الزوجية فالأمر برمته مرهون بدرجة الحالة النفسية و مناخها و بالتراكمات الحياتية و كذلك الاجتماعية المكنونة في أعماق الداخل لحظة مواجهة موقف الخلاف ، و لذا فإنه من الـ صحيح تماماً مقولة أن النار في الحياة الزوجية قد تشتعل أحياناً بنماذج كثيرة و متعددة من مستصغر الشرر ، و من المُلاحظ للعيان بأن هناك دائماً ثمة اختلاف في الرأي بغض النظر عن مدى حجمه و تكون هناك ثورة مشاعر مُتولدة نتيجة هذا الاختلاف و لا يغفل أبداً على أحد بأن لكل إنسان نسبة من الجانب الانفعالي فقد يكون سعيداً و هو لا يعرف لماذا و تارة يكون حزيناً و مكتئباً و لا يعرف السبب أبداً ، و حقيقةً فإن صُلب مشاكل الخلاف لا يدب إلا بسبب جملة التراكمات داخل النفس البشرية و التي يُساهم حجبها إلى إصلاح المواقف بيسر و سهولة و عودة المياه إلى مجراها الطبيعي عن طريق المُناقشات الهادئة .
للخلافات الزوجية بكل صورها و أشكالها ثمة أسباب عديدة و مختلفة و منها تدخل الأهل و الأقارب في لُب خصوصيات حياة الزوجين عميقاً ، و قد تؤدي أحياناً هذه التدخلات لخلافات شديدة و كذلك فإن للوضع الاقتصادي و الحياتي الراهن داخل أي أسرة دور في تأجيج الخلافات الزوجية و خصوصاً إذا كان أحد الطرفين مُبذراً و مُسرفاً و غير مبالي و كذلك عديم الإدراك لحجم المسؤولية الأسرية و شكل و صور الالتزامات العائلية ، و لعله من الخطأ جداً في حالات الخلافات البسيطة الامتناع عن التنازل و ذلك بحجة الكرامة و الكبرياء فالتنازل أمر ضروري جداً في نسيج علاقات الزواج و عدم التراجع هو حجر العثرة الذي يحول دون فض النزاع ليصل الأمر إلى حافة الانفصال النهائي في بعض المواقف المُستعصية التي ليس لها حل ، و من المعلوم للجميع عموماً بأن الزوج بحكم وجوده في نمط هذا المجتمع الحالي يشعر دائماً بأنه على حق و على الزوجة أن تُذعن لهذا الحق فهو لا يرضى بالتنازل عن حقه أو الاعتراف بأي خطأ حتى لو كان مُقتنعاً بذلك داخلياً في الصميم ، فالكبرياء عنده لا يسمح له أبداً بالاعتذار للزوجة في معظم الحالات ، و مع مرور الوقت فعلى الزوجة إدراك هذه الحقيقة و محاولة التعايش معها قدر المستطاع و الاختيار بين تقبل الوضع كما هو و التزام الصمت على مضض أو خيار الدخول في خضم مواجهة صارمة فعلاً ليس نجاحها بالضرورة أن يكون مضموناً بل ربما قد يُؤدي هذا إلى التنافر و التباعد و الانفعال الغالب على ملكة التفكير وصولاً إلى درجة اليأس و فقدان الأمل بتاتاً في استمرار هذا الزواج ليؤول إلى الانفصال بشكل حتمي لا رجوع فيه .
د. بشار عيسى